كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال بكير بن الأشج: كانت الشجرة بفجٍّ نحو مكة.
قال نافع: كان الناس يأتون تلك الشجرة فيصلُّون عندها، فبلغ ذلك عمرَ بن الخطاب فأوعدهم فيها وأمر بها فقُطِعتْ.
قوله تعالى: {فَعَلِمَ ما في قُلوبهم} أي: من الصِّدق والوفاء، والمعنى: علم أنهم مُخْلِصون {فأنزل السَّكينة عليهم} يعني الطُّمأنينة والرِّضى حتى بايَعوا على أن يقاتِلوا ولا يَفِرُّوا {وأثابهم} أي: عوَّضهم على الرِّضى بقضائه والصَّبر على أمره {فَتْحًا قريبًا} وهو خيبر، {ومَغانِمَ كثيرةً يأخذونها} أي: من خيبر، لأنها كانت ذات عَقار وأموال، فأمّا قوله بعد هذا: {وعَدَكم اللهُ مَغانِمَ كثيرة تأخذونها} فقال المفسرون: هي الفُتوح التي تُفْتَح على المسلمين إِلى يوم القيامة.
{فعجَّل لكم هذه} فيها قولان.
أحدهما: أنها غنيمة خيبر، قاله مجاهد، وقتادة، والجمهور.
والثاني: أنه الصُّلح الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش، رواه العوفي عن ابن عباس.
قوله تعالى: {وكَفَّ أيديَ الناس عنكم} فيهم ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم اليهود همُّوا أن يغتالوا عيال المسلمين الذين خلّفوهم في المدينة، فكفَّهم اللهُ عن ذلك، قاله قتادة.
والثاني: أنهم أسد وغطفان جاؤوا لينصروا أهل خيبر، فقَذَفَ اللهُ في قلوبهم الرُّعب، فانصرفوا عنهم، قاله مقاتل.
وقال الفراء: كانت أسد وغطفان مع أهل خيبر، فقصدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصالحوه وخلَّوا بينه وبين خيبر.
وقال غيرهما: بل همَّت أسد وغطفان باغتيال أهل المدينة، فكفَّهم اللهُ عن ذلك.
والثالث: أنهم أهل مكة كفَّهم اللهُ بالصلح، حكاهما الثعلبي وغيره.
ففي قوله: {عنكم} قولان.
أحدهما: أنه على أصله، قاله الأكثرون.
والثاني: عن عيالكم، قاله ابن قتيبة، وهو مقتضى قول قتادة.
{ولِتَكون آيةً للمؤمنين} في المشار إليها قولان.
أحدهما: أنها الفَعْلة التي فَعَلها بكم من كَفِّ أيديهم عنكم كانت آيةً للمؤمنين، فعَلِموا أن الله تعالى متولَّي حراستهم في مَشهدهم ومَغيبهم.
والثاني: أنها خيبر كان فتحها علامةً للمؤمنين، في تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما وعدهم به.
قوله تعالى: {ويَهْدِيَكم صراطًا مستقيمًا} فيه قولان.
أحدهما: طريق التوكُّل عليه والتفويض إِليه، وهذا على القول الأول.
والثاني: يَزيدكم هُدىً بالتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من وعد الله تعالى بالفتح والغنيمة.
قوله تعالى: {وأُخرى} المعنى: وعدكم الله مَغانمَ أُخرى؛ وفيها أربعة أقوال:
أحدها: أنها ما فُتح للمسلمين بعد ذلك.
روى سماك الحنفي عن ابن عباس {وأُخرى لَمْ تَقْدِروا عليها} قال: ما فتح لكم من هذه الفتوح، وبه قال مجاهد.
والثاني: أنها خيبر، رواه عطية، والضحاك عن ابن عباس، وبه قال ابن زيد.
والثالث: فارس والروم، روي عن ابن عباس أيضًا، وبه قال الحسن، وعبد الرحمن بن أبي ليلى.
والرابع: مكة، ذكره قتادة، وابن قتيبة.
قوله تعالى: {قد أحاط اللهُ بها} فيه قولان.
أحدهما: أحاط بها عِلْمًا أنها ستكون من فُتوحكم.
والثاني: حَفِظها لكم ومَنَعها من غيركم حتى فتحتموها.
قوله تعالى: {ولو قاتلكم الذين كفروا} هذا خطاب لأهل الحديبية، قاله قتادة؛ {والذين كفروا} مشركو قريش.
فعلى هذا يكون المعنى لو قاتلوكم يومَ الحديبية {لولَّوُا الأدبار} لِما في قلوبهم من الرُّعب {ثم لا يجدون وليًّا} لأن لله قد خذلهم.
قال الزجاج: المعنى: لو قاتلك من لم يقاتِلْك لنُصِرْتَ عليه، لأن سُنَّة الله النُّصرةُ لأوليائه.
و{سُنَّةَ الله} منصوبة على المصدر، لأن قوله: {لولَّوُا الأدبار} معناه: سَنَّ اللهُ عز وجل خِذلانهم سُنَّةً، وقد مَرَّ مِثْلُ هذا في قوله: {كتابَ اللهِ عليكم} [النساء: 24] وقوله: {صُنْع اللهِ} [النمل: 88].
قوله تعالى: {وهُو الذي كَفَّ أيديَهم عنكم} روى أنس بن مالك أن ثمانين رجلًا من أهله مكة هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من جبل التنعيم متسلِّحين يريدون غِرَّة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابِه، فأخذهم سِلْمًا، فاستحياهم، وأنزل الله هذه الآية.
وروى عبد الله بن مغفَّل قال: كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية في أصل الشجرة، فبينا نحن كذلك إِذ خرج علينا ثلاثون شابًّا، فثاروا في وُجوهنا، فدعا عليهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فأخذ الله بأبصارهم، فقمنا إليهم فأخذناهم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل جئتم في عهد؟» أو «هل جعل لكم أحد أمانًا؟» قالوا: اللهم لا، فخلَّى سبيلهم، ونزلت هذه الآية وذكر قتادة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خَيْلًا فأتَوه باثني عشر فارسًا من الكفار، فأرسلهم.
وقال مقاتل: خرجوا يقاتِلون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فهزمهم النبي صلى الله عليه وسلم بالطَّعن والنَّبل حتى أدخلهم بيوت مكة.
قال المفسرون: ومعنى الآية: إِن الله تعالى ذكر مِنَّته إِذ حجز بين الفريقين فلم يقتتلا حتى تم الصلح بينهم.
وفي بطن مكة ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه الحديبية، قاله أنس.
والثاني: وادي مكة، قاله السدي.
والثالث: التنعيم، حكاه أبو سليمان الدمشقي.
فأمّا (مكة) فقال الزجاج: (مكة) لا تنصرف لأنها مؤنَّثة، وهي معرفة، ويصلُح أن يكون اشتقاقها كاشتقاق (بكة)، والميم تُبدل من الباء، يُقال: ضَرْبة لازم، ولازب، ويصلُح أن يكون اشتقاقها من قولهم: امْتَكَّ الفَصيل مافي ضرع النّاقة: إِذا مَصَّ مَصًّا شديدًا حتى لا يُبْقي فيه شيئًا.
فيكون سمِّيتْ بذلك لشِدَّة الازدحام فيها؛ قال: والقول الأول أحسن.
وقال قطرب: مكة من تَمَكَّكْتُ المُخَّ: إذا أكلتَه.
وقال ابن فارس: تَمَكَّكْتُ العظم: إِذا أخرجتَ مُخَّه؛ والتمكُّكُ: الاستقصاء؛ وفي الحديث: «لا تُمَكِّكوا على غُرَمائكم».
وفي تسمية (مكة) أربعة أقوال:
أحدها: لأنها مَثَاَبَةٌ يؤمُّها الخَلْقُ مِنْ كُلِّ فَجٍّ، وكأنها هي التي تجذِبُهم إِليها، وذلك من قول العرب: امْتَكَّ الفَصيلُ ما في ضَرْع النّاقة.
والثاني: أنها سمِّيتْ (مكة) من قولك: بَكَكْتُ الرجُل: إِذا وضَعْتَ منه وَرَدَدْتَ نَخْوتَه فكأنها تَمُكُّ مَنْ ظلم فيها، أي تُهلكه وتُنْقِصه، وأنشدوا:
يا مَكَّةُ الفاجِرَ مُكِّي مَكَّا ** ولا تَمُكِّي مَذْحِجًا وعَكَّا

والثالث: أنها سمِّيتْ بذلك لجَهْد أهلها.
والرابع: لِقلَّة الماء بها.
وهل مكة وبكة واحد؟ قد ذكرناه في [آل عمران: 96].
قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ أن أَظفركم عليهم} أي: بهم؛ يقال: ظَفِرْتُ بفلان، وظَفِرْتُ عليه.
قوله تعالى: {وكان اللهُ بما تعلمون بصيرًا} قرأ أبو عمرو: {يعملون} بالياء والباقون: بالتاء.
قوله تعالى: {هُمُ الذين كفَروا} يعني أهل مكة {وصدًّوكم عن المسجد الحرام} أن تطوفوا به وتحلّوا من عُمرتكم {والهَدْيَ} قال الزَّجاج: أي: وصدُّوا الهدي {معكوفًا} أي: محبوسًا {أن يبلُغَ} أي: عن أن يبلُغَ {مَحِلَّه} قال المفسرون: {مَحِلّه} مَنْحَره، وهو حيث يَحِلُّ نَحْرُه {ولولا رجالٌ مؤمِنون ونساءٌ مؤمنات} وهم المستَضعفون بمكة {لم تَعْلَموهم} أي: لم تعرفوهم {أن تطؤُوهم} بالقتل.
ومعنى الآية: لولا أن تطؤوا رجالًا مؤمنين ونساءٌ مؤمنات بالقتل، وُتوقِعوا بهم ولا تعرفونهم، {فتُصيبَكم منهم مَعَرَّةٌ} وفيها أربعة أقوال.
أحدهما: إِثم، قاله ابن زيد.
والثاني: غُرم الدِّيَة، قاله ابن إِسحاق.
والثالث: كفّارة قتل الخطأ، قاله ابن السائب.
والرابع: عيب بقتل مَنْ هو على دينكم، حكاه جماعة من المفسرين.
وفي الآية محذوف، تقديره: لأدخلتُكم من عامكم هذا؛ وإنما حُلْتُ بينكم وبينهم {لِيُدْخِلَ اللهُ في رحمته} أي: في دينه {من يشاء} من أهل مكة، وهم الذين أسلموا بعد الصُّلح {لو تزيَّلوا} قال ابن عباس: لو تفرَّقوا.
وقال ابن قتيبة، والزجاج: لو تميَّزوا.
قال المفسرون: لو انماز المؤمنون من المشركين {لعذَّبْنا الذين كفروا} بالقتل والسَّبْي بأيديكم.
وقال قوم: لو تزيَّل المؤمنون من أصلاب الكُفّار لعذَّبْنا الكفار.
وقال بعضهم: قوله: {لعذَّبْنا} جواب لكلامين.
أحدهما: {لولا رجال}، والثاني: {لو تزيَّلوا} وقوله: {إِذ جَعَل} من صلة قوله: {لعذَّبْنا}.
والحميَّة: الأنَفَة والجَبَريَّة.
قال المفسرون: وإنما أخذتهم الحمية حين أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم دخول مكة، فقالوا: يدخلون علينا وقد قتلوا أبناءنا وإِخواننا فتتحدَّث العربُ بذلك! واللهِ لا يكون ذلك، {فأنْزَلَ اللهُ سكينته على رسوله وعلى المؤمنين} فلم يَدخُلْهم ما دخل أولئك فيخالفوا الله في قتالهم.
وقيل: الحميَّةُ ما تداخل سهيلَ بن عمرو من الأنَفَة أن يكتُب في كتاب الصُّلح ذِكْر (الرحمن الرحيم) وذِكْر (رسول الله) صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: {وألزَمَهم كَلِمةَ التَّقوى} فيه خمسة أقوال.
أحدهما: (لا اله إلا الله)، قاله ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وقتادة، والضحاك، والسدي، وابن زيد في آخرين، وقد روي مرفوعًا إِلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعلى هذا يكون معنى: {ألزَمَهم}: حَكَمَ لهم بها، وهي التي تَنفي الشِّرك.
والثاني: (لا إِله إلا الله والله أكبر)، قاله ابن عمر.
وعن علي بن أبي طالب كالقولين.
والثالث: (لا إِله إِلا الله وحده لا شريك له له المُلك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)، قاله عطاء بن أبي رباح.
والرابع: (لا ِإله إِلا الله محمد رسول الله)، قاله عطاء الخراساني.
والخامس: (بسم الله الرحمن الرحيم)، قاله الزهري.
فعلى هذا يكون المعنى: أنه لمّا أبى المشركون أن يكتُبوا هذا في كتاب الصُّلح، ألزمه اللهُ المؤمنين.
{وكانوا أحقَّ بها} من المشركين {و} كانوا {أهلَها} في عِلْم الله تعالى.
قوله تعالى: {لقد صَدَقَ اللهُ رسولَه الرُّؤيا بالحق} قال المفسرون: سبب نزولها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أُري في المنام قبل خروجه إلى الحديبية قائلًا يقول له: {لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام} إِلى قوله: {لا تَخافونَ} ورأى كأنه هو وأصحابه يدخُلون مكة وقد حَلَقوا وقصَّروا، فأخبر بذلك أصحابَه ففرِحوا، فلمّا خرجوا إِلى الحديبية حَسِبوا أنهم يدخُلون مكة في عامهم ذلك، فلمّا رجعوا ولم يدخُلوا قال المنافقون: أين رؤياه التي رأى؟! فنزلت هذه الآية، فدخلوا في العام المقبل.
وفي قوله: {إِنْ شاء اللهُ} ستة أقوال:
أحدها: أن (إن) بمعنى (إذ)، قاله أبو عبيدة، وابن قتيبة.
والثاني: أنه استثناء من الله، وقد عَلِمه، والخَلْق يستثنون فيما لا يَعْلَمون، قاله ثعلب؛ فعلى هذا يكون المعنى أنه عَلِم أنهم سيدخُلونه، ولكن استثنى على ما أُمر الخَلْق به من الاستثناء.
والثالث: أن المعنى: لتدخُلُنَّ المسجد الحرام إِن أمركم اللهُ به، قاله الزجاج.
والرابع: أن الاستثناء يعود إلى دخول بعضهم أو جميعهم، لأنه عَلِم أن بعضهم يموت، حكاه الماوردي.
والخامس: أنه على وجه الحكاية لِما رآه النبيُّ صلى الله عليه وسلم في المنام أن قائلًا يقول {لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام إِن شاء الله آمنين}، حكاه القاضي أبو يعلى.
والسادس: أنه يعود إِلى الأمن والخوف، فأمّا الدُّخول، فلا شَكَّ فيه، حكاه الثعلبي.
قوله تعالى: {آمنين} من العَدُوِّ {محلِّقين رؤوسكم ومقصِّرين} من الشَّعر {لا تَخافونَ} عدُوًّا.
{فعَلِم ما لم تَعْلَموا} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: عَلِم أن الصَّلاح في الصُّلح.
والثاني: أن في تأخير الدُّخول صلاحًا.
والثالث: فعلم أن يفتح عليكم خيبر قبل ذلك.
قوله تعالى: {فجَعَلَ مِنْ دون ذلك فتحًا قريبًا} فيه قولان.
أحدهما: فتح خيبر، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال عطاء، وابن زيد، ومقاتل.
والثاني: صلح الحديبية، قاله مجاهد، والزهري، وابن إِسحاق وقد بيَّنّا كيف كان فتحًا في أول السورة.
وما بعد هذا مفسر في [براءة: 33] إِلى قوله: {وكفى بالله شهيدًا} وفيه قولان.
أحدهما: أنه شَهِدَ له على نَفْسه أنه يُظْهِره على الدِّين كُلِّه، قاله الحسن.
والثاني: كفى به شهيدًا أن محمدًا رسوله قاله مقاتل.
قوله تعالى: {محمدٌ رسولُ الله} وقرأ الشعبي، وأبو رجاء، وأبو المتوكل، والجحدري: {محمدًا رسولُ الله} بالنصب فيهما.
قال ابن عباس شَهِد: له بالرِّسالة.
قوله تعالى: {والذين معه} يعني أصحابه والأشدّاء: جمع شديد.
قال الزجاج: والأصل أَشْدِدَاءُ، نحو نصيب وأنصباء، ولكن الدّالَين تحركتا، فأُدغمت الأولى في الثانية، ومثله {مَنَْيْرَتَّد منكم} [المائدة: 54].
قوله تعالى: {رُحَماءُ بينَهم} الرُّحَماء جمع رحيم، والمعنى: أنهم يُغْلِظون على الكفار، وَيتوادُّون بينَهم {تَراهم رُكَّعًا سُجَّدًا} يَصِفُ كثرة صَلاتهم {يبتغون فَضْلًا من الله} وهو الجنة {ورِضوانًا} وهو رضي الله عنهم.